ثورة يوليو ومفهوم العداله الاجتماعيه... نقاش مع الأستاذ حلمي نمنم - بقلم فرحان صالح


مجلة الشراع 10 كانون الثاني 2021

نشر الاستاذ حلمي نمنم مقالا في جريدة المصري اليوم. تناول فيه تطور مسألة العدالة الاجتماعية في مصر، مذكرا ببعض الرواد الذين تناولوا الموضوع، مشيرا الي مؤلف يكاد ان يكون مجهول اليوم، الاستاذ صالح ميخائيل والي الكيفية التي تحاول إسرائيل استغلالها لناحية إعادة طبع هذا الكتاب الذي صدر في القاهره في منتصف الأربعينات، َموحية انه يتبع الديانه اليهودية أيضا الي الكيفية التي تتعامل بها إسرائيل مع الكتاب المصريين من الرواد. 
يناقش الاستاذ نمنم الموضوع من هذه الزاويه، وعلى الرغم من ان مقاله يحمل الكثير من المعلومات المهمه التي بحاجة للنقاش...، الا إننا أحببنا مناقشة موضوع العداله الاجتماعيه لاكشيء نظري في كتاب، بل في كيفية تحويله الي مشروع قابل للتنفيذ... لاشك ان ميخائيل كان واحدا من المفكرين الرواد.. وحلمي يشير الي كتابات أخرى لصاحب الكتاب.. . هنا يمكننا التطرق لثورة 1952م والي نظرة المشروع الناصري لمسالة. العداله الاجتماعية، ولكن لنعد الي بيت القصيد. كيف تستغل إسرائيل هكذا مسألة خاصة انه لا زال في مصر قسما من المواطنين اليهود الذي لعبت فيهم السياسات الدوليه ولا زالت، ودفعت قسما كبيرا منهم الي ترك مو اطنهم والهجره الي فلسطين.

قد يكون ميخائيل واحد من هؤلاء،... انطلاقا من هنا يمكن الالتفاته لمناقشة العنصريه الصهيونيه، اي من هذه الأرضية، وليس من القول إنه مصري، وهو كذلك مواطن مصري، وإن كان ينتمي الي الديانه اليهوديه.. وان كنت مسبقا اعتقد انه ينتمي الي العقيده القبطيه.. 
ثانيا... إن فكرة العدالة الاجتماعية هي ذاتها مضمون المشروع النا صري.. ولا يمنع ان يكون هناك َمن تناولوا الموضوع قبل 1952، ولكن الفكره تحولت بعد ثورة 1952م الحيز النظري الي مشروع... 
نبدأ بالمناقشه من الإصلاح الزراعي، قبل الثوره كان هناك حوالي ألفي اقطاعي أو يزيد قليلا، يملكون الأرض. و يمكنني القول الأرض ومن عليها.. وكان الملك من أكبر الاقطاعيين، فجاء الإصلاح الزراعي ليعيد الاعتبار الي الفلاحين، الحفاة، زارعي الأرض.. وكان الهدف ليس فقط إعطاء معنى لانتماء الفلاحين الي أرضهم ووطنهم. بل الهدف أيضا اجتماعي، اقتصادي، وهو وصول مصر إلى الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي، وستلاحظ من أن مشروع الإصلاح بدأ يعطي مفعوله سنة بعد سنة. 
الهدف الثاني تثبيت الفلاحين في أرضهم، واعطا معنى لهويتهم الوطنيه. وهذا أيضا هو ما عرفته مصر ما ببن 1952 و1970م. 
ثالثا، من الناحيه السياسية، أعطي الإصلاح الزراعي معني لفكرة الانتماء الوطني. والمثال ان في الريف المصري تمثلت ديناميه قل مثيلها لناحية الشعور والاعتزاز بمواطنية الفلاحين المصريين الي بلدهم، تلك الحالة التي بدأت تتغير بعد 1970،(ولكن ليعاد الاعتبار اليها بعد 2011).. 
ففي عصر الرئيس السادات بدأ الانفتاح الاقتصادي، التشريع لالاف الشركات الأجنبية وغيرها للعمل في مصر، وكان من نتيجة هذا الانفتاح وهذه القرارات تدمير القطاع الزراعي وبالتالي فكرة العدالة الاجتماعية، وأيضا إعادة الاعتبار للقوي المستغله التي كانت حامية ومنظرة للعصر الملكي وللاقطاعيه السائدة قبل الثورة، والإخوان هم ذاتهم الذين كانوا من حما ة النظام الاقطاعي، وهم ذاتهم الذين عفا عتهم السادات واخرج قياداتهمَ من السجون، وتحالف معهم ضد المناوئين لسياساته ومن ثم دفع المنتمين منهم في دول الخليج والخارج للعودة وليستثمروا في القطاعات غير المنتجه، واضعين البذره في تحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد منتج الي اقتصاد ريعي غير منتج.. 
هذا ما أدى لذهاب مصر إلى سكة أخرى. سكة بدأنا نرى مفاعيلها سنة بعد سنة، ومن أخطر تلك المفاعيل انعكاس هذه السياسة علي الريف، وخاصة علي القطاع الزراعي.
لم تتأخر تلك السياسات لتظهر، فبدانا نرى هجرة منظمه من الأرياف الي المدن، حيث بدأت تتشكل العشوائيات التي ترافقت مع هجرة الفلاحين من أرضهم ومن مواطنهم وقراهم.. لقد أدت هذه السياسة الي التدمير التدريجي لهذا القطاع، والي تدمير فكرة الانتماء الوطني، وبالتالي الي انتشارالبطالة والفقر والأمية والمرض والهجره ونمو قوى طفيليه كانت تغتني بضعف الشعب والاقتصاد المصريين. إضافة إلى غير ذلك من أمراض وقد تعددت في اشكالها..
ولنعود الي المشروع الذي كانت ثورة يوليو تسعي لتحقيقه، ولنلفت نظر الاستاذ حلمي من أن هناك أطروحه جامعية صدرت عن احدي دور النشر المصريه، رجعت فيها المؤلفة التي لا أذكر اسمها، إلى النقاشات التي كانت تدور داخل حكومة الثورة عام 1957، والتي كانت تبتدا الوزاره نقاشاتها بالبحث حول كيفية توفير الحاجات اليوميه للشعب المصري، ومن ثم بالكيفية التي على الحكومه اتباعها لمكافحة زيادة النسل، أيضا حول تطوير المناهج التعليمية وتسييد العلوم المعاصرة دون غيرها، وهذا ما تم تنفيذه عمليا من خلال إعادة قراة لدور وخطورة استمرارية المناهج التقليديه، ودورها في القطاع التعليمي، خاصة دور المؤسسات الدينيه، وبالاخص، دور الازهر.. 
لقد تم توظيف القطاع الديني لخدمة مشروع العداله الاجتماعية، خذ مثلا الدور الذي قامت به تلك المؤسسات، ففي كل الخطب الدينية، سواء في الجوامع أم الكنائس او غيرها كان هناك توجه ينطلق ويعبر ويشرح مشروع الثورة ورؤيتها لمسألة العدالة الاجتماعية في مصر، وخذ من ناحية عملية الدور الذي قامت به تلك المؤسسات. علي صعيد مكافحة الأمية حيث تم محو أمية الملايين من المصريين.. هذا وقد ساهمت المؤسسات الدينية القبطية منها والإسلامية بدورها على هذا الصعيد، أيضا حث المصريين على العمل وأن يكونوا شركاء في الإنتاج، وهذا ما ساهم في تطوير النقابات وفي بروز طبقه عمالية رياديه، مما هيأ مصر عام 1961م الي ان تكون من اكثر الدول المتطورة اقتصاديا إذ تجاوزت نسبة التطور الاقتصادي حوالي ال 9٪... 
وللحديث تتمة.....

فرحان صالح

تعليقات

قد يهمك

فرحان صالح في سطور

كفرشوبا قصة حب - سيرة مكان

سيرة فرحان صالح: كفرشوبا (قصة حُبّ.. سيرة مكان)

رسائل حب : رواية جيل

جنوب لبنان : واقعه وقضاياه

حول تجربة الإخوان المسلمين : من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي

المادية التاريخية والوعي القومي عند العرب